العلاقة بين الطب الحديث والطب البديل (إن صحت التسمية) هي علاقة غير شرعية في نظري.
فأنصار الطب الحديث لا يرون في الطب البديل كبير فائدة تذكر، بل ويرونه عائقاً ومعوقاً لسلامة وصحة الكثير من المرضى، ولهم في ذلك أدلتهم الكثيرة من مشاهدات لحالات واقعية ترد إليهم بصفة متكررة، وفي المقابل يرى أنصار الطب البديل أن الطب الحديث لا يملك الحلول لجميع الأمراض كافة وأن هناك مكان طبيعي وآمن للطب البديل، وهذا الاعتراض يكتسب زخماً أكبر عند المدافعين عن الطب البديل من المسلمين، إذ يستندون في الدفاع عن الطب البديل بأحاديث وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات قرآنية، مما يجعل المناظرة بين المسلمين من أنصار الفريقين مسألة قد يختلط فيها الكفر بالإيمان.
والواقع أن ما يعاب على الطب البديل هو غياب الضوابط المنظمة له والتي منها يمكن أن نستقي ونعدد المثالب الكثيرة في الطب البديل:
أولها هو عدم وجود جامعات معتمدة يتم تدريس هذا الطب فيها ومنح شهادات معترف بها، والسبب في ذلك واضح وبيِّن وهو أس النقص لهذا الطب ألا وهو غياب التأصيل العلمي الدقيق له بكافة فروعه، فهو في واقع أمره خلاصة تجارب لأفراد وجماعات قد تلتقي أحياناً وقد تتعارض أحياناً أخرى، وهذه التجارب ليس لها ضابط ولا طريقة معتمدة سواء في وصف العلاج أو مدته أو جرعاته.
بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى مشكلة أكبر وأعظم وأهم ألا وهي تشخيص المرض. فمن المعروف والمعلوم بداهةً أن الطب قائم على التشخيص، وتشخيص المرض هو علم بل وفن قائم بذاته، وكثير من العاملين في مجال الطب البديل إن لم يكونوا كلهم لا يفقهون أبجديات التشخيص، وما يملكونه هو حصيلة خبرات كونوها عن طريق الممارسات والحوارات الشفهية، قافزين بذلك على السنوات الكثيرة والمريرة التي يقضيها طالب الطب المتخرج حديثاً في تعلم علوم التشريح والكيمياء الحيوية ووظائف الأعضاء وعلم الأمراض وغيرها حتى يتمكن من عملية التشخيص.
وما يعاب كذلك هو اختلاط الطب البديل بالكثير من الاعتقادات الاجتماعية والتقاليد والعادات المحلية المستمدة من بيئتها الخاصة والتي لا سند لها ولا أصل إلا تسالم الأجيال عليها جيلاً بعد جيل، وكثير من هذه المعتقدات نقضته المفاهيم العلمية الحديثة ناهيك عن المعتقدات الطبية، وهذا فتح الباب على مصراعيه لدخول أعمال السحر والشعوذة والكسب غير المشروع على حساب صحة المريض.
ولا اقصد مما سبق التجني ولا الادعاء على الطب البديل، فالطب الحديث من زاوية أخرى لا يملك جميع الحلول لكل الأمراض ولا يخلو من الأدعياء فيه ولا الممارسات الخاطئة والشاذة، كما أن العاملين فيه ليسوا على درجة واحدة من النبل والنزاهة، ولكن الطب الحديث له معايير وأسس مدروسة ومناهج منضبطة ممايجعل الجسم الطبي قادراً على مواجهة الأدعياء فيه وقهرهم في نهاية الأمر. هذا بالإضافة إلى كمية الدراسات والبحوث التي تنشر يومياً دافعةً عجلة التطور في الطب إلى الأمام وبسرعة مذهلة.كل هذا يجعلني أقول أن الطب الحديث هو بوابة الشفاء بإذن الله.
وما دفعني إلى الحديث حول هذا الموضوع وعقد مقارنة بين الطبين في عجالة هو ما يعترضنا نحن معشر الأطباء من حالات انسانية مؤلمة عندما يتم تشخيص مريض ما بمرض عضال يتوافر له العلاج في حينه، ولكن المريض ينصرف إلى الطب البديل لاعتقاده بفائدته وقدرته على شفائه من المرض كبديل عن الطب الحديث. وللأسف الشديد لم أشهد ذلك في حياتي العملية أبداً وكل ما وصلني فهو مجرد إشاعات لا يمكن التحقق منها. وهنا أشعر بالأسى على مريض كان من الممكن أن يأخذ بالأسباب، وكان من الممكن أن يتجنب توابع المرض بل وحتى الوفاة (إذا كان الأمر متعلقاً بالسبب فقط) ولكنه ضحى بذلك كله متعلقاً بأوهام غير حقيقية، والعجيب أن أحد أشهر من أخذ هذا القرار في وقتنا الحالي هو مؤسس شركة أبل وأسطورتها (ستيف جويس). فعلى الرغم من ذكاء هذا الرجل الحاد وبراعته الشديدة وقدرته الاستنتاجية، فقد اختار الطب البديل في علاج ورم سرطاني في البنكرياس كان من الممكن استئصاله جراحياً وبسهولة، لكنه قدم الاختيار الخطأ مما أدى إلى وفاته بالسرطان، على الرغم من المحاولات الحثيثة لإنقاذه، ولكن بعد فوات الأوان.
وفي النهاية، أقول أن هناك مكانين اثنين للطب البديل في وقتنا الحالي:
الأول: الألام والأمراض والوعكات البسيطة.
الثاني: عند عجز الطب الحديث في علاج المريض، فعتدها يُفتح الباب على غاربه ليتولى من شاء ما شاء.
Comentários